فصل: (فَصْلٌ): وَأَمَّا الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (نسخة منقحة)



.فَصْلٌ: بَيَانُ وَقْتِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ:

وَأَمَّا بَيَانُ وَقْتِ هَذِهِ الشَّهَادَةِ- وَهِيَ حُضُورُ الشُّهُودِ- فَوَقْتُهَا وَقْتُ وُجُودِ رُكْنِ الْعَقْدِ- وَهُوَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ- لَا وَقْتُ وُجُودِ الْإِجَازَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا عَلَى الْإِجَازَةِ فَحَضَرُوا عَقْدَ الْإِجَازَةِ وَلَمْ يَحْضُرُوا عِنْدَ الْعَقْدِ لَمْ تَجُزْ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطُ رُكْنِ الْعَقْدِ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُهَا عِنْدَ الرُّكْنِ، وَالْإِجَازَةُ لَيْسَتْ بِرُكْنٍ، بَلْ هِيَ شَرْطُ النَّفَاذِ فِي الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ وَعِنْدَ وُجُودِ الْإِجَازَةِ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالْعَقْدِ مِنْ حِينِ وُجُودِهِ فَتُعْتَبَرُ الشَّهَادَةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ- وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ-.

.فَصْلٌ: أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُحَلَّلَةً:

وَمِنْهَا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُحَلَّلَةً وَهِيَ أَنْ لَا تَكُونَ مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ فَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى التَّأْبِيدِ فَلَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا؛ لِأَنَّ الْإِنْكَاحَ إحْلَالٌ، وَإِحْلَالُ الْمُحَرَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ مُحَالٌ وَالْمُحَرَّمَاتُ عَلَى التَّأْبِيدِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ:
مُحَرَّمَاتٌ بِالْقَرَابَةِ وَمُحَرَّمَاتٌ بِالْمُصَاهَرَةِ وَمُحَرَّمَاتٌ بِالرَّضَاعِ.

.أَمَّا النَّوْعُ الْأَوَّلُ: فَالْمُحَرَّمَاتُ بِالْقَرَابَةِ:

سَبْعُ فِرَقٍ: الْأُمَّهَاتُ وَالْبَنَاتُ وَالْأَخَوَاتُ وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} الْآيَةَ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ تَحْرِيمِ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ، فَإِمَّا أَنْ يُعْمَلَ بِحَقِيقَةِ هَذَا الْكَلَامِ حَقِيقَةً وَيُقَالُ: بِحُرْمَةِ الْأَعْيَانِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْل السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَهِيَ مَنْعُ اللَّهِ تَعَالَى الْأَعْيَانَ عَنْ تَصَرُّفِنَا فِيهَا بِإِخْرَاجِهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مَحَلًّا لِذَلِكَ شَرْعًا، وَهُوَ التَّصَرُّفُ الَّذِي يُعْتَادُ إيقَاعُهُ فِي جِنْسِهَا وَهُوَ الِاسْتِمْتَاعُ وَالنِّكَاحُ.
وَإِمَّا أَنْ يُضْمَرَ فِيهِ الْفِعْلُ وَهُوَ الِاسْتِمْتَاعُ وَالنِّكَاحُ فِي تَحْرِيمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَحْرِيمَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا حُرِّمَ الِاسْتِمْتَاعُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ لَمْ يَكُنْ النِّكَاحُ مُفِيدًا لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعَاقِبَةِ الْحَمِيدَةِ فَكَانَ تَحْرِيمُ الِاسْتِمْتَاعِ تَحْرِيمًا لِلنِّكَاحِ، وَإِذَا حُرِّمَ النِّكَاحُ وَأَنَّهُ شُرِعَ وَسِيلَةً إلَى الِاسْتِمْتَاعِ، وَالِاسْتِمْتَاعُ هُوَ الْمَقْصُودُ فَكَانَ تَحْرِيمُ الْوَسِيلَةِ تَحْرِيمًا لِلْمَقْصُودِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ: يُحَرَّمُ عَلَى الرَّجُلِ أُمُّهُ بِنَصِّ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} وَتُحَرَّمُ عَلَيْهِ جَدَّاتُهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَإِنْ عَلَوْنَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَهُنَّ أَوْلَادُ الْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ، فَكَانَتْ الْجَدَّاتُ أَقْرَبَ مِنْهُنَّ فَكَانَ تَحْرِيمُهُنَّ تَحْرِيمًا لِلْجَدَّاتِ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى كَتَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ نَصًّا يَكُونُ تَحْرِيمًا لِلشَّتْمِ وَالضَّرْبِ دَلَالَةً، وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ أَيْضًا وَتُحَرَّمُ عَلَيْهِ بَنَاتُهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى وَبَنَاتُكُمْ سَوَاءً كَانَتْ بِنْتَهُ مِنْ النِّكَاحِ أَوْ مِنْ السِّفَاحِ لِعُمُومِ النَّصِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ الْبِنْتُ مِنْ السِّفَاحِ؛ لِأَنَّ نَسَبَهَا لَمْ يَثْبُتْ مِنْهُ فَلَا تَكُونُ مُضَافَةً إلَيْهِ شَرْعًا فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ نَصِّ الْإِرْثِ وَالنَّفَقَةِ فِي قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} وَفِي قَوْله تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} كَذَا هَاهُنَا؛ وَلِأَنَّا نَقُولُ: بِنْتُ الْإِنْسَانِ اسْمٌ لِأُنْثَى مَخْلُوقَةٍ مِنْ مَائِهِ حَقِيقَةً، وَالْكَلَامُ فِيهِ فَكَانَتْ بِنْتَهُ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْإِضَافَةُ شَرْعًا إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ، وَهَذَا لَا يَنْفِي النِّسْبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْحَقَائِقَ لَا مَرَدَّ لَهَا وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْإِرْثِ وَالنَّفَقَةِ: إنَّ النِّسْبَةَ الْحَقِيقِيَّةَ ثَابِتَةٌ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ هُنَاكَ ثُبُوتَ النَّسَبِ شَرْعًا لِجَرَيَانِ الْإِرْثِ وَالنَّفَقَةِ لِمَعْنًى.
وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ هاهنا فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ.
وَتُحَرَّمُ بَنَاتُ بَنَاتِهِ وَبَنَاتُ أَبْنَائِهِ وَإِنْ سَفَلْنَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّهُنَّ أَقْرَبُ مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ وَبَنَاتِ الْأُخْتِ وَمِنْ الْأَخَوَاتِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْأَخَوَاتِ أَوْلَادُ أَبِيهِ وَهُنَّ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ فَكَانَ ذِكْرُ الْحُرْمَةِ هُنَاكَ ذِكْرًا لِلْحُرْمَةِ هاهنا دَلَالَةً وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ أَيْضًا، وَتُحَرَّمُ عَلَيْهِ أَخَوَاتُهُ وَعَمَّاتُهُ وَخَالَاتُهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ} سَوَاءٌ كُنَّ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ لِإِطْلَاقِ اسْمِ الْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ، وَيُحَرَّمُ عَلَيْهِ عَمَّةُ أَبِيهِ وَخَالَتُهُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَعَمَّةُ أُمِّهِ وَخَالَتُهُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ بِالْإِجْمَاعِ.
وَكَذَا عَمَّةُ جَدِّهِ وَخَالَتُهُ وَعَمَّةُ خَالَتِهِ وَخَالَتُهَا لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ تُحَرَّمُ بِالْإِجْمَاعِ، وَتُحَرَّمُ عَلَيْهِ بَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} وَبَنَاتُ بَنَاتِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ وَإِنْ سَفَلْنَ بِالْإِجْمَاعِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ حُرْمَةَ الْجَدَّاتِ وَبَنَاتِ الْبَنَاتِ وَنَحْوِهِنَّ مِمَّنْ ذَكَرْنَا يَثْبُتُ بِالنَّصِّ أَيْضًا؛ لِانْطِلَاقِ الِاسْمِ عَلَيْهِنَّ فَإِنَّ جَدَّةَ الْإِنْسَانِ تُسَمَّى أُمًّا لَهُ، وَبِنْتَ بِنْتِهِ تُسَمَّى بِنْتًا لَهُ فَكَانَتْ حُرْمَتُهُنَّ ثَابِتَةً بِعَيْنِ النَّصِّ، لَكِنْ هَذَا لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا مُنَافَاةٌ؛؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ اسْمِ الْأُمِّ عَلَى الْجَدَّةِ وَإِطْلَاقَ اسْمِ الْبِنْتِ عَلَى بِنْتِ الْبِنْتِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ نَفَى اسْمَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ عَنْهُمَا كَانَ صَادِقًا فِي النَّفْيِ، وَهَذَا مِنْ الْعَلَامَاتِ الَّتِي يُفَرَّقُ بِهَا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَقَدْ ظَهَرَ أَمْرُ هَذِهِ التَّفْرِقَةِ فِي الشَّرْعِ أَيْضًا حَتَّى إنَّ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ: لَسْتَ أَنْتَ بِابْنِ فُلَانٍ لِجَدِّهِ لَا يَصِيرُ قَاذِفًا لَهُ حَتَّى لَا يُؤْخَذَ بِالْحَدِّ؛ وَلِأَنَّ نِكَاحَ هَؤُلَاءِ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَخْلُو عَنْ مُبَاسَطَاتٍ تَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ عَادَةً وَبِسَبَبِهَا تَجْرِي الْخُشُونَةُ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ فَكَانَ النِّكَاحُ سَبَبًا لِقَطْعِ الرَّحِمِ مُفْضِيًا إلَيْهِ، وَقَطْعُ الرَّحِمِ حَرَامٌ وَالْمُفْضِي إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَعُمُّ الْفِرَقَ السَّبْعِ؛ لِأَنَّ قَرَابَتَهُنَّ مُحَرَّمَةُ الْقَطْعِ وَاجِبَةُ الْوَصْلِ، وَيَخْتَصُّ الْأُمَّهَاتُ بِمَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ احْتِرَامَ الْأُمِّ وَتَعْظِيمَهَا وَاجِبٌ، وَلِهَذَا أُمِرَ الْوَلَدُ بِمُصَاحَبَةِ الْوَالِدَيْنِ بِالْمَعْرُوفِ وَخَفْضِ الْجَنَاحِ لَهُمَا وَالْقَوْلِ الْكَرِيمِ وَنُهِيَ عَنْ التَّأْفِيفِ لَهُمَا فَلَوْ جَازَ النِّكَاحُ وَالْمَرْأَةُ تَكُونُ تَحْتَ أَمْرِ الزَّوْجِ، وَطَاعَتُهُ وَخِدْمَتُهُ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهَا لَلَزِمَهَا ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَنْفِي الِاحْتِرَامَ فَيُؤَدِّي إلَى التَّنَاقُضِ وَتَحِلُّ لَهُ بِنْتُ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَبِنْتُ الْعَمِّ وَالْخَالِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْمُحَرَّمَاتِ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ أَحَلَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ لَمْ يُذْكَرْنَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ فَكُنَّ مِمَّا وَرَاءَ ذَلِكَ فَكُنَّ مُحَلَّلَاتٍ.
وَكَذَا عُمُومَاتُ النِّكَاحِ لَا تُوجِبُ الْفَصْلَ ثُمَّ خُصَّ عَنْهَا الْمُحَرَّمَاتُ الْمَذْكُورَاتُ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ فَبَقِيَ غَيْرُهُنَّ تَحْتَ الْعُمُومِ، وَقَدْ وَرَدَ نَصٌّ خَاصٌّ فِي الْبَابِ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} الْآيَةَ وَالْأَصْلُ فِيمَا يَثْبُتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَثْبُتَ لِأُمَّتِهِ، وَالْخُصُوصُ بِدَلِيلٍ- وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ-.

.فَصْلٌ: وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي فَالْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ:

أَرْبَعُ فِرَقٍ:

.الْفِرْقَةُ الْأُولَى:

أُمُّ الزَّوْجَةِ وَجَدَّاتُهَا مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا وَإِنْ عَلَوْنَ فَيُحَرَّمُ عَلَى الرَّجُلِ أُمُّ زَوْجَتِهِ بِنَصِّ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} سَوَاءً كَانَ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ أَوْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد الْأَصْفَهَانِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الْبَلْخِيّ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيِّ: إنَّ أُمَّ الزَّوْجَةِ لَا تُحَرَّمُ عَلَى الزَّوْجِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ مَا لَمْ يَدْخُلْ بِبِنْتِهَا حَتَّى إنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ مَاتَتْ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَعِنْدَهُمْ يَجُوزُ.
وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِثْلُ قَوْلِ الْعَامَّةِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِثْلُ قَوْلِهِمْ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ فَصَلَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْمَوْتِ قَالَ: فِي الطَّلَاقِ مِثْلُ قَوْلِهِمَا وَفِي الْمَوْتِ مِثْلُ قَوْلِ الْعَامَّةِ وَجَعَلَ الْمَوْتَ كَالدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدُّخُولِ فِي حَقِّ الْمَهْرِ وَكَذَا فِي حَقِّ التَّحْرِيمِ، احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} ذَكَرَ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَعَطَفَ رَبَائِبَ النِّسَاءِ عَلَيْهِنَّ فِي التَّحْرِيمِ بِحَرْفِ الْعَطْفِ ثُمَّ عَقَّبَ الْجُمْلَتَيْنِ بِشَرْطِ الدُّخُولِ.
وَالْأَصْلُ أَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ وَالِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَقِيبَ جُمَلٍ مَعْطُوفٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِحَرْفِ الْعَطْفِ كُلُّ جُمْلَةٍ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ يَنْصَرِفُ إلَى الْكُلِّ لَا إلَى مَا يَلِيهِ خَاصَّةً كَمَنْ قَالَ: عَبْدُهُ حُرٌّ وَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ وَعَلَيْهِ حَجُّ بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ فَعَلَ كَذَا أَوْ قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهَذَا كَذَلِكَ فَيَنْصَرِفُ شَرْطُ الدُّخُولِ إلَى الْجُمْلَتَيْنِ جَمِيعًا فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِدُونِهِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ كَلَامٌ تَامٌّ بِنَفْسِهِ مُنْفَصِلٌ عَنْ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ إذْ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ قَوْلِهِ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} إلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} وَالْمَعْطُوفُ يُشَارِكُ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ فِي خَبَرِهِ وَيَكُونُ خَبَرُ الْأَوَّلِ خَبَرًا لِلثَّانِي كَقَوْلِهِ: جَاءَنِي زَيْدٌ وَعَمْرٌو مَعْنَاهُ جَاءَنِي عَمْرٌو فَكَانَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} أَيْ: وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَأَنَّهُ مُطْلَقٌ عَنْ شَرْطِ الدُّخُولِ فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الدُّخُولَ الْمَذْكُورَ فِي آخِرِ الْكَلِمَاتِ مُنْصَرِفٌ إلَى الْكُلِّ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إذَا نَكَحَ الرَّجُلُ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأُمَّ» وَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَوْ مَاتَتْ عِنْدَهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَهَا، وَأَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَوْ مَاتَتْ عِنْدَهُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا» وَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَبْهَمُوا مَا أَبْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَيْ: أَطْلَقُوا مَا أَطْلَقَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ قَالَ: الْآيَةُ مُبْهَمَةٌ أَيْ مُطْلَقَةٌ لَا يُفْصَلُ بَيْنَ الدُّخُولِ وَعَدَمِهِ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَدْ رُوِيَ الرُّجُوعُ عَنْهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ فِي الْكُوفَةِ فَلَمَّا أَتَى الْمَدِينَةَ وَلَقِيَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَاكَرَهُمْ رَجَعَ إلَى الْقَوْلِ بِالْحُرْمَةِ حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا أَتَى الْكُوفَةَ نَهَى مَنْ كَانَ أَفْتَاهُ بِذَلِكَ فَقِيلَ: إنَّهَا وَلَدَتْ أَوْلَادًا فَقَالَ: إنَّهَا وَإِنْ وَلَدَتْ وَلِأَنَّ هَذَا النِّكَاحَ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَ بِنْتَهَا وَتَزَوَّجَ بِأُمِّهَا حَمَلَهَا ذَلِكَ عَلَى الضَّغِينَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْقَطِيعَةِ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَقَطْعُ الرَّحِمِ حَرَامٌ فَمَا أَفْضَى إلَيْهِ يَكُونُ حَرَامًا لِهَذَا الْمَعْنَى حُرِّمَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأُمِّهَا وَبَيْنَ عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا عَلَى مَا نَذْكُرُ- إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- بِخِلَافِ جَانِبِ الْأُمِّ حَيْثُ لَا تُحَرَّمُ بِنْتُهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ النِّكَاحِ هُنَاكَ لَا تُؤَدِّي إلَى الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ فِي ظَاهِرِ الْعَادَاتِ تُؤْثِرُ بِنْتَهَا عَلَى نَفْسِهَا فِي الْحُظُوظِ وَالْحُقُوقِ، وَالْبِنْتُ لَا تُؤْثِرُ أُمَّهَا عَلَى نَفْسِهَا مَعْلُومٌ ذَلِكَ بِالْعَادَةِ.
وَإِذَا جَاءَ الدُّخُولُ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ؛ لِأَنَّهُ تَأَكَّدَتْ مَوَدَّتُهَا لِاسْتِيفَائِهَا حَظَّهَا فَتَلْحَقُهَا الْغَضَاضَةُ فَيُؤَدِّي إلَى الْقَطْعِ؛ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ تَثْبُتُ بِالدُّخُولِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْعَقْدُ عَلَى الْبِنْتِ سَبَبُ الدُّخُولُ بِهَا، وَالسَّبَبُ يَقُومُ مَقَامَ الْمُسَبِّبِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ، وَلِهَذَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ فِي مَنْكُوحَةِ الْأَبِ وَحَلِيلَةِ الِابْنِ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تُحَرَّمَ الرَّبِيبَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عَلَى الْأُمِّ إلَّا أَنَّ شَرْطَ الدُّخُولِ هُنَاكَ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِي الْآيَةِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ.
(وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ: إنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ فِي آخِرِ كَلِمَاتٍ مَعْطُوفٌ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ وَالِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّه تَعَالَى مُلْحَقٌ بِالْكُلِّ فَنَقُولُ: هَذَا الْأَصْلُ مُسَلَّمٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّرْطِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فَأَمَّا فِي الصِّفَةِ الدَّاخِلَةِ عَلَى الْمَذْكُورِ فِي آخِرِ الْكَلَامِ فَمَمْنُوعٌ، بَلْ يُقْتَصَرُ عَلَى مَا يَلِيهِ فَإِنَّكَ تَقُولُ: جَاءَنِي زَيْدٌ وَمُحَمَّدٌ الْعَالِمُ فَتَقْتَصِرُ صِفَةِ الْعِلْمِ عَلَى الَّذِي يَلِيهِ دُونَ زَيْدٍ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} وَصَفَ إيَّاهُنَّ بِالدُّخُولِ بِهِنَّ لَا شَرَطَ، مَنْ ادَّعَى إلْحَاقَ الْوَصْفِ بِالشَّرْطِ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ فَيَلْحَقُ الْكُلَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَا يَلِيه فَلَا يُلْحَقُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، وَإِذَا وَقَعَ الشَّكُّ وَالشُّبْهَةُ فِيهِ، فَالْقَوْلُ لِمَا فِيهِ الْحُرْمَةُ أَوْلَى احْتِيَاطًا عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ إنْ كَانَتْ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ لَكِنَّ اللَّفْظَ مَتَى قُرِنَ بِهِ شَرْطٌ أَوْ صِفَةٌ لِإِثْبَاتِ حُكْمٍ يَقْتَضِي وُجُودَهُ عِنْدَ وُجُودِهِ إمَّا لَا يَقْتَضِي عَدَمَهُ عِنْدَ عَدَمِهِ، بَلْ عَدَمُهُ وَوُجُودُهُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَالصِّفَةِ يَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى قِيَامِ الدَّلِيلِ وَفِي نَفْسِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} وَلَوْ كَانَ التَّقْيِيدُ بِالْوَصْفِ نَافِيًا الْحُكْمَ فِي غَيْرِ الْمَوْصُوفِ لَكَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ كَافِيًا، وَنَحْنُ نَقُولُ بِحُرْمَةِ الْأُمِّ عِنْدَ الدُّخُولِ بِالرَّبِيبَةِ وَبِحُرْمَةِ الرَّبِيبَةِ عِنْدَ الدُّخُولِ بِالْأُمِّ بِظَاهِرِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَلَيْسَ فِيهَا نَفْيُ الْحُرْمَةِ عِنْدَ عَدَمِ الدُّخُولِ وَلَا إثْبَاتُهَا فَيَقِفُ عَلَى قِيَامِ الدَّلِيلِ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى حُرْمَةِ الْأُمِّ بِدُونِ الدُّخُولِ بِبِنْتِهَا وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا فَتَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَلَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى حُرْمَةِ الرَّبِيبَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِالْأُمِّ فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ- وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ-.
وَأَمَّا جَدَّاتُ الزَّوْجَةِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا فَإِنَّهَا عُرِفَتْ حُرْمَتُهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فِي الْأُمَّهَاتِ لَا بِعَيْنِ النَّصِّ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ اشْتِمَالَ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عِنْدَ عَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إنَّمَا تُحَرَّمُ الزَّوْجَةُ وَجَدَّاتُهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ صَحِيحًا فَأَمَّا إذَا كَانَ فَاسِدًا فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالْوَطْءِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ الْمَسِّ عَنْ شَهْوَةٍ وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ عَنْ شَهْوَةٍ عَلَى مَا نَذْكُرُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَى الزَّوْجِ أُمَّ زَوْجَتِهِ مُضَافًا إلَيْهِ، وَالْإِضَافَةُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ إلَّا بِهِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.

.(فَصْلٌ): وَأَمَّا الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ:

فَبِنْتُ الزَّوْجَةِ وَبَنَاتُهَا وَبَنَاتُ بَنَاتِهَا وَبَنِيهَا وَإِنْ سَفَلْنَ.
أَمَّا بِنْتُ زَوْجَتِهِ فَتُحَرَّمُ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ إذَا كَانَ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَا تُحَرَّمُ لِقَوْلِهِ: {وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} وَسَوَاءٌ كَانَتْ بِنْتُ زَوْجَتِهِ فِي حِجْرِهِ أَوْ لَا عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: لَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي حِجْرِهِ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصًّا لِظَاهِرِ الْآيَةِ، قَوْله تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِنْتَ الزَّوْجَةِ، وَبِوَصْفِ كَوْنِهَا فِي حِجْرِ زَوْجٍ فَيَتَقَيَّدُ التَّحْرِيمُ بِهَذَا الْوَصْفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهَا إلَى الزَّوْجَةِ يُقَيِّدُ التَّحْرِيمَ بِهِ حَتَّى لَا يُحَرَّمُ عَلَى رَبِيبَتِهِ غَيْرُ الزَّوْجَةِ كَذَا هَذَا، وَلَنَا أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى حُكْمِ الْمَوْصُوفِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي غَيْرِ الْمَوْصُوفِ بِخِلَافِهِ، إذْ التَّنْصِيصُ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ فَتَثْبُتُ حُرْمَةُ بِنْتِ زَوْجَةِ الرَّجُلِ الَّتِي دَخَلَ بِأُمِّهَا وَهِيَ فِي حِجْرِهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ تَثْبُتُ حُرْمَتُهَا بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ كَوْنُ نِكَاحِهَا مُفْضِيًا إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْحِجْرَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ عُرْفَ النَّاسِ وَعَادَتَهُمْ أَنَّ الرَّبِيبَةَ تَكُونُ فِي حِجْرِ زَوْجِ أُمِّهَا عَادَةً فَأَخْرَجَ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلَاقٍ} وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا بَنَاتُ بَنَاتِ الرَّبِيبَةِ وَبَنَاتُ أَبْنَائِهَا وَإِنْ سَفَلْنَ فَتَثْبُتُ حُرْمَتُهُنَّ بِالْإِجْمَاعِ وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى الْمَعْقُولِ لَا بِعَيْنِ النَّصِّ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ عِنْدَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِمَا.

.(فَصْلٌ): وَأَمَّا الْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ:

وَأَمَّا الْفِرْقَةُ الثَّالِثَةُ فَحَلِيلَةُ الِابْنِ مِنْ الصُّلْبِ وَابْنِ الِابْنِ وَابْنِ الْبِنْتِ وَإِنْ سَفَلَ فَتُحَرَّمُ عَلَى الرَّجُلِ حَلِيلَةُ ابْنِهِ مِنْ صُلْبِهِ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} وَذِكْرُ الصُّلْبِ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْخَاصِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الِابْنُ إلَّا مِنْ الصُّلْبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} وَإِنْ كَانَ الطَّائِرُ لَا يَطِيرُ إلَّا بِجَنَاحَيْهِ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْقِسْمَةِ وَالتَّنْوِيعِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ قَدْ يَكُونُ مِنْ الصُّلْبِ وَقَدْ يَكُونُ مِنْ الرَّضَاعِ وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّبَنِّي أَيْضًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَ امْرَأَةَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا زَيْدٌ وَكَانَ ابْنًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّبَنِّي فَعَابَهُ الْمُنَافِقُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالُوا: إنَّهُ تَزَوَّجَ بِحَلِيلَةِ ابْنِهِ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} وَلِأَنَّ حَلِيلَةَ الِابْنِ لَوْ لَمْ تُحَرَّمْ عَلَى الْأَبِ فَإِذَا طَلَّقَهَا الِابْنُ رُبَّمَا يَنْدَمُ عَلَى ذَلِكَ وَيُرِيدُ الْعَوْدَ إلَيْهَا فَإِذَا تَزَوَّجَهَا أَبُوهُ أَوْرَثَ ذَلِكَ الضَّغِينَةَ بَيْنَهُمَا.
وَالضَّغِينَةُ تُوَرِّثُ الْقَطِيعَةَ، وَقَطْعُ الرَّحِمِ حَرَامٌ فَيَجِبُ أَنْ يُحَرَّمَ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى الْحَرَامِ وَلِهَذَا حُرِّمَتْ مَنْكُوحَةُ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ كَذَا هَذَا سَوَاءٌ كَانَ دَخَلَ بِهَا الِابْنُ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا؛ لِأَنَّ النَّصَّ مُطْلَقٌ عَنْ شَرْطِ الدُّخُولِ وَالْمَعْنَى لَا يُوجِبُ الْفَصْلَ أَيْضًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا؛ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ سَبَبٌ إلَى الدُّخُولِ وَالسَّبَبُ يُقَامُ مَقَامَ الْمُسَبِّبِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ عَلَى مَا مَرَّ، وَحَلِيلَةُ ابْنِ الِابْنِ وَابْنِ الْبِنْتِ وَإِنْ سَفَلَ تُحَرَّمُ بِالْإِجْمَاعِ أَوْ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى لَا بِعَيْنِ النَّصِّ؛ لِأَنَّ ابْنَ الِابْنِ يُسَمَّى ابْنًا مَجَازًا لَا حَقِيقَةً فَإِذَا صَارَتْ الْحَقِيقَةُ مُرَادَةً لَمْ يَبْقَ الْمَجَازُ مُرَادًا لَنَا إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَا مِنْ لَفْظٍ وَاحِدٍ- وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ-.

.(فَصْلٌ): وَأَمَّا الْفِرْقَةُ الرَّابِعَةُ:

وَأَمَّا الْفِرْقَةُ الرَّابِعَةُ فَمَنْكُوحَةُ الْأَبِ وَأَجْدَادِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَإِنْ عَلَوْا،.
أَمَّا مَنْكُوحَةُ الْأَبِ: فَتُحَرَّمُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} وَالنِّكَاحُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْعَقْدُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ اسْمَ النِّكَاحِ يَقَعُ عَلَى الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ فَتُحَرَّمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا نَذْكُرُ؛ وَلِأَنَّ نِكَاحَ مَنْكُوحَةِ الْأَبِ يُفْضِي إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَارَقَهَا أَبُوهُ لَعَلَّهُ يَنْدَمُ فَيُرِيدُ أَنْ يُعِيدَهَا فَإِذَا نَكَحَهَا الِابْنُ أَوْحَشَهُ ذَلِكَ وَأَوْرَثَ الضَّغِينَةَ، وَذَلِكَ سَبَبُ التَّبَاعُدِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ تَفْسِيرُ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَقَطْعُ الرَّحِمِ حَرَامٌ فَكَانَ النِّكَاحُ سِرَّ سَبَبِ الْحَرَامِ وَأَنَّهُ تَنَاقُضٌ فَيُحَرَّمُ دَفْعًا لِلتَّنَاقُضِ الَّذِي هُوَ أَثَرُ السَّفَهِ وَالْجَهْلِ جَلَّ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا.
وَأَمَّا مَنْكُوحَةُ أَجْدَادِهِ فَتُحَرَّمُ بِالْإِجْمَاعِ وَبِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى لَا بِعَيْنِ النَّصِّ إلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْجَمْعَ بَيْن الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ عِنْدَ عَدَمِ النَّافِي ثُمَّ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ تَثْبُتُ بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ وَتَثْبُتُ بِالْوَطْءِ الْحَلَالِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى إنَّ مَنْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا وَجَدَّاتُهَا وَإِنْ عَلَوْنَ وَبَنَاتُ بَنَاتِهَا وَإِنْ سَفَلْنَ وَتُحَرَّمُ هِيَ عَلَى أَبُ الْوَاطِئِ وَابْنِهِ وَعَلَى أَجْدَادِ أَجْدَادِ الْوَاطِئِ وَإِنْ عَلَوْا، وَعَلَى أَبْنَاءِ أَبْنَائِهِ وَإِنْ سَفَلُوا.
وَكَذَا تَثْبُتُ بِالْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَكَذَا بِالْوَطْءِ عَنْ شُبْهَةٍ بِالْإِجْمَاعِ، وَتَثْبُتُ بِاللَّمْسِ فِيهِمَا عَنْ شَهْوَةٍ وَبِالنَّظَرِ إلَى فَرْجِهَا عَنْ شَهْوَةٍ عِنْدَنَا وَلَا تَثْبُتُ بِالنَّظَرِ إلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ بِشَهْوَةٍ وَلَا بِمَسِّ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ إلَّا عَنْ شَهْوَةٍ بِلَا خِلَافٍ.
وَتَفْسِيرُ الشَّهْوَةِ هِيَ أَنْ يَشْتَهِيَ بِقَلْبِهِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِإِقْرَارِهِ؛ لِأَنَّهُ بَاطِنٌ لَا وُقُوفَ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ، وَتَحَرُّكُ الْآلَةِ وَانْتِشَارُهَا هَلْ هُوَ شَرْطُ تَحْقِيقِ الشَّهْوَةِ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ: شَرْطٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِشَرْطٍ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمَسَّ وَالنَّظَرَ عَنْ شَهْوَةٍ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ ذَلِكَ كَالْعِنِّينِ وَالْمَجْبُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالنَّظَرِ وَلَهُ فِي الْمَسِّ قَوْلَانِ، وَتَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالزِّنَا وَالْمَسِّ وَالنَّظَرِ بِدُونِ النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ وَشُبْهَتِهِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالزِّنَا فَأَوْلَى أَنْ لَا تَثْبُتَ بِالْمَسِّ وَالنَّظَرِ بِدُونِ الْمِلْكِ، احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} حَرَّمَ الرَّبَائِبَ الْمُضَافَةَ إلَى نِسَائِنَا الْمَدْخُولَاتِ وَإِنَّمَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ مُضَافَةً إلَيْنَا بِالنِّكَاحِ فَكَانَ الدُّخُولُ بِالنِّكَاحِ شَرْطَ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ، وَهَذَا دُخُولٌ بِلَا نِكَاحٍ فَلَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ وَلَا تَثْبُتُ بِالنَّظَرِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْنَى الدُّخُولِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ وَلَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ فِي الْإِحْرَامِ، وَكَذَلِكَ اللَّمْسُ فِي قَوْلٍ وَفِي قَوْلٍ يَثْبُتُ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ بِهَا مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ بِمَعْنَى الْوَطْءِ؛ وَلِهَذَا حُرِّمَ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ كَمَا حُرِّمَ الْوَطْءُ.
وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَتْبَعُ الْمَرْأَةَ حَرَامًا أَيَنْكِحُ ابْنَتَهَا؟ أَوْ يَتْبَعُ الْبِنْتَ حَرَامًا أَيَنْكِحُ أُمَّهَا؟ فَقَالَ: لَا يُحَرِّمُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ إنَّمَا يُحَرِّمُ مَا كَانَ نِكَاحًا حَلَالًا» وَالتَّحْرِيمُ بِالزِّنَا تَحْرِيمُ الْحَرَامِ الْحَلَالَ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} وَالنِّكَاحُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً لَهُمَا عَلَى الِاشْتِرَاكِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً لِأَحَدِهِمَا مَجَازًا لِلْآخَرِ وَكَيْفَ مَا كَانَ يَجِبُ الْقَوْلُ بِتَحْرِيمِهِمَا جَمِيعًا إذْ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا كَأَنَّهُ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} عَقْدًا وَوَطْئًا وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ أُمُّهَا وَلَا ابْنَتُهَا» وَرُوِيَ: «حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا» وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ النِّكَاحِ.
وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا» وَلَوْ لَمْ يَكُنْ النَّظَرُ الْأَوَّلُ مُحَرِّمًا لِلثَّانِي- وَهُوَ النَّظَرُ إلَى فَرْجِ ابْنَتِهَا- لَمْ يَلْحَقْهُ اللَّعْنُ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى فَرْجِ الْمَرْأَةِ الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا صَحِيحًا مُبَاحٌ فَكَيْفَ يَسْتَحِقُّ اللَّعْنَ؟ فَإِذَا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ بِالنَّظَرِ فَبِالدُّخُولِ أَوْلَى وَكَذَا بِاللَّمْسِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ دُونَ اللَّمْسِ فِي تَعَلُّقِ الْأَحْكَامِ بِهِمَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَفْسُدُ الصَّوْمُ بِالْإِنْزَالِ عَنْ الْمَسِّ وَلَا يَفْسُدُ بِالْإِنْزَالِ عَنْ النَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ وَفِي الْحَجِّ يَلْزَمُهُ بِالْمَسِّ عَنْ شَهْوَةٍ الدَّمُ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ عَنْ شَهْوَةٍ أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ، فَلَمَّا ثَبَتَتْ الْحُرْمَةُ بِالنَّظَرِ فَبِالْمَسِّ أَوْلَى؛ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالنِّكَاحِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا دَاعِيًا إلَى الْجِمَاعِ إقَامَةً لِلسَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبِّبِ فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ كَمَا أُقِيمَ النَّوْمُ الْمُفْضِي إلَى الْحَدَثِ مَقَامَ الْحَدَثِ فِي انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ احْتِيَاطًا لِأَمْرِ الصَّلَاةِ، وَالْقُبْلَةُ وَالْمُبَاشَرَةُ فِي التَّسَبُّبِ وَالدَّعْوَةُ أَبْلَغُ مِنْ النِّكَاحِ فَكَانَ أَوْلَى بِإِثْبَاتِ الْحُرْمَةِ؛ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ الْحَلَالَ إنَّمَا كَانَ مُحَرِّمًا لِلْبِنْتِ بِمَعْنَى هُوَ مَوْجُودٌ هُنَا وَهُوَ أَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِهَا فِي الْوَطْءِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ وَطْءَ إحْدَاهُمَا يُذَكِّرُهُ وَطْءَ الْأُخْرَى فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَاضٍ وَطَرَهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَلْعُونٌ مَنْ نَظَرَ إلَى فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا» وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْوَطْءِ الْحَرَامِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهَا بَلْ هِيَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي حُرْمَةَ رَبِيبَتِهِ الَّتِي هِيَ بِنْتُ امْرَأَتِهِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا مُطْلَقًا سَوَاءً دَخَلَ بِهَا بَعْدَ النِّكَاحِ أَوْ قَبْلَهُ بِالزِّنَا.
وَاسْمُ الدُّخُولِ يَقَعُ عَلَى الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ أَوْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الدُّخُولَ بَعْدَ النِّكَاحِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ هُوَ الْقَوْلُ بِالْحُرْمَةِ وَإِذَا اُحْتُمِلَ هَذَا وَاحْتُمِلَ هَذَا فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ مَعَ الِاحْتِمَالِ عَلَى أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إثْبَاتُ الْحُرْمَةِ بِالدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ، وَهَذَا يَنْفِي الْحُرْمَةَ بِالدُّخُولِ بِلَا نِكَاحٍ فَكَانَ هَذَا احْتِجَاجًا بِالْمَسْكُوتِ عَنْهُ وَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عَلَى أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ حُجَّتَنَا عَلَى إثْبَاتِ الْحُرْمَةِ بِالْمَسِّ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الدُّخُولَ بِهِنَّ وَحَقِيقَةُ الدُّخُولِ بِالشَّيْءِ عِبَارَةٌ عَنْ إدْخَالِهِ فِي الْعَوْرَةِ إلَى الْحِصْنِ فَكَانَ الدُّخُولُ بِهَا هُوَ إدْخَالُهَا فِي الْحِصْنِ، وَذَلِكَ بِأَخْذِ يَدِهَا أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا لِيَكُونَ هُوَ الدَّاخِلُ بِهَا.
فَأَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ، فَالْمَرْأَةُ هِيَ الدَّاخِلَةُ بِنَفْسِهَا فَدَلَّ أَنَّ الْمَسَّ مُوجِبٌ لِلْحُرْمَةِ أَوْ يُحْتَمَلُ الْوَطْءُ وَيُحْتَمَلُ الْمَسُّ فَيَجِبُ الْقَوْلُ بِالْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ ضَعِيفٌ ثُمَّ هُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَنَقُولُ بِمُوجِبِهِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ هُوَ الِاتِّبَاعُ لَا الْوَطْءُ وَاتِّبَاعُهَا أَنْ يُرَاوِدَهَا عَنْ نَفْسِهَا وَذَا لَا يُحَرِّمُ عِنْدَنَا إذْ الْمُحَرِّمُ هُوَ الْوَطْءُ وَلَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْحَدِيثِ- وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُوَفِّقُ-.

.(وَأَمَّا) النَّوْعُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعَةِ:

فَمَوْضِعُ بَيَانِهَا كِتَابُ الرَّضَاعِ فَكُلُّ مَنْ حَرُمَ لِقَرَابَةٍ مِنْ الْفِرَقِ السَّبْعِ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَحْرُمُ بِالرَّضَاعَةِ إلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ الْمُحَرَّمَاتِ بِالْقَرَابَةِ بَيَانَ إبْلَاغٍ وَبَيَّنَ الْمُحَرَّمَاتِ بِالرَّضَاعَةِ بَيَانَ كِفَايَةٍ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرْ عَلَى التَّصْرِيحِ وَالتَّنْصِيصِ إلَّا الْأُمَّهَاتِ وَالْأَخَوَاتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ} لِيُعْلَمَ حُكْمُ غَيْرِ الْمَذْكُورِ بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ بِالِاسْتِدْلَالِ.
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ نَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ- إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ»، وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ أَيْضًا.
وَكَذَا كُلُّ مَنْ يَحْرُمُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ الْفِرَقِ الْأَرْبَعِ بِالْمُصَاهَرَةِ يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ، فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أُمُّ زَوْجَتِهِ وَبِنْتُهَا مِنْ الرَّضَاعِ إلَّا أَنَّ الْأُمَّ تَحْرُمُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ صَحِيحًا، وَالْبِنْتُ لَا تَحْرُمُ إلَّا بِالدُّخُولِ بِالْإِحْرَامِ.
وَكَذَا جَدَّاتُ الزَّوْجَةِ لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا، وَإِنْ عَلَوْنَ وَبَنَاتُ بَنَاتِهَا وَبَنَاتُ أَبْنَائِهَا وَإِنْ سَفَلْنَ مِنْ الرَّضَاعِ.
وَكَذَا يَحْرُمُ حَلِيلَةُ ابْنِ الرَّضَاعِ وَابْنِ ابْنِ الرَّضَاعِ، وَإِنْ سَفَلَ عَلَى أَبِي الرَّضَاعِ وَأَبِي أَبِيهِ وَتَحْرُمُ مَنْكُوحَةُ أَبِي الرَّضَاعِ وَأَبِي أَبِيهِ، وَإِنْ عَلَا عَلَى ابْنِ الرَّضَاعِ وَابْنِ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ وَكَذَا يَحْرُمُ بِالْوَطْءِ أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ وَبِنْتُهَا مِنْ الرَّضَاعِ عَلَى الْوَاطِئِ.
وَكَذَا جَدَّاتُهَا وَبَنَاتُ بَنَاتِهَا وَتَحْرُمُ الْمَوْطُوءَةُ عَلَى أَبِي الْوَاطِئِ وَابْنِهِ مِنْ الرَّضَاعِ.
وَكَذَا عَلَى أَجْدَادِهِ وَإِنْ عَلَوْا وَعَلَى أَبْنَاءِ أَبْنَائِهِ وَإِنْ سَفَلُوا سَوَاءٌ كَانَ الْوَطْءُ حَلَالًا بِأَنْ كَانَ يَمْلِكُ الْيَمِينَ أَوْ كَانَ الْوَطْءُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ شُبْهَةِ نِكَاحٍ أَوْ كَانَ زِنًا، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ يَحْرُمُ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ بِسَبَبِ النَّسَبِ وَسَبَبِ الْمُصَاهَرَةِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ يَخْتَلِفُ فِيهِمَا حُكْمُ الْمُصَاهَرَةِ وَالرَّضَاعِ نَذْكُرُهُمَا فِي كِتَابِ الرَّضَاعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

.(فَصْلٌ): في تحريمِ الْجَمْعِ بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ:

وَمِنْهَا أَنْ لَا يَقَعَ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا جَمْعًا بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ وَلَا بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فِي الْأَجْنَبِيَّاتِ.
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي الْجَمْعِ أَنَّ الْجَمْعَ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ: جَمْعٌ بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ وَجَمْعٌ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّاتِ، أَمَّا.
الْجَمْعُ بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ فَنَوْعَانِ: أَيْضًا جَمْعٌ فِي النِّكَاحِ وَجَمْعٌ فِي الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، أَمَّا.
الْجَمْعُ بَيْنَ ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ فِي النِّكَاحِ فَنَقُولُ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي النِّكَاحِ حَرَامٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}، وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا يُفْضِي إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ الضَّرَّتَيْنِ ظَاهِرَةٌ، وَأَنَّهَا تُفْضِي إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ حَرَامٌ فَكَذَا الْمُفْضِي، وَكَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِهَا لِمَا قُلْنَا بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ مُفْتَرَضَةُ الْوَصْلِ بِلَا خِلَافٍ، وَاخْتُلِفَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ ذَوَاتَيْ رَحِمٍ مَحْرَمٍ سِوَى هَذَيْنِ الْجَمْعَيْنِ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا رَجُلًا لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأُخْرَى مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا أَيَّتُهُمَا كَانَتْ غَيْرَ عَيْنٍ كَالْجَمْعِ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَعَمَّتِهَا، وَالْجَمْعِ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَخَالَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ: لَا يَجُوزُ وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: الْجَمْعُ فِيمَا سِوَى الْأُخْتَيْنِ وَسِوَى الْمَرْأَةِ وَبِنْتِهَا لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} ذَكَرَ الْمُحَرَّمَاتِ.
وَذَكَرَ فِيمَا حَرَّمَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَأَحَلَّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ، وَالْجَمْعُ فِيمَا سِوَى الْأُخْتَيْنِ لَمْ يَدْخُلْ فِي التَّحْرِيمِ فَكَانَ دَاخِلًا فِي الْإِحْلَالِ إلَّا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِهَا حُرِّمَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ؛ لِأَنَّ قَرَابَةَ الْوِلَادِ أَقْوَى، فَالنَّصُّ الْوَارِدُ ثَمَّةَ يَكُونُ وَارِدًا هاهنا مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَنَا الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا وَلَا عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا»، وَزَادَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى الْحَدِيثَ أَخْبَرَ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ عَمَّةً ثُمَّ بِنْتَ أَخِيهَا أَوْ خَالَةً ثُمَّ بِنْتَ أُخْتِهَا لَا يَجُوزُ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ بِنْتَ الْأَخِ أَوَّلًا ثُمَّ الْعَمَّةَ أَوْ بِنْتَ الْأُخْتِ أَوَّلًا ثُمَّ الْخَالَةَ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِئَلَّا يُشْكِلَ أَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُخْتَصَّةً بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ كَنِكَاحِ الْأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَيَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ؛ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ ذَوَاتَيْ رَحِمٍ مَحْرَمٍ فِي النِّكَاحِ سَبَبٌ لِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ؛ لِأَنَّ الضَّرَّتَيْنِ يَتَنَازَعَانِ وَيَخْتَلِفَانِ وَلَا يَأْتَلِفَانِ هَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَذَلِكَ يُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ، وَأَنَّهُ حَرَامٌ، وَالنِّكَاحُ سَبَبٌ فَيَحْرُمُ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَيْهِ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فِيمَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «إنَّكُمْ لَوْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَقَطَعْتُمْ أَرْحَامَهُنَّ» وَرُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَإِنَّهُنَّ يَتَقَاطَعْنَ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ يُوجِبُ الْقَطِيعَةَ.
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكْرَهُونَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْقَرَابَةِ فِي النِّكَاحِ، وَقَالُوا: إنَّهُ يُوَرِّثُ الضَّغَائِنَ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ الْجَمْعَ بَيْنَ بِنْتَيْ عَمَّيْنِ، وَقَالَ: لَا أُحَرِّمُ ذَلِكَ لَكِنْ أَكْرَهُهُ أَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِمَكَانِ الْقَطِيعَةِ، وَأَمَّا عَدَمُ الْحُرْمَةِ، فَلِأَنَّ الْقَرَابَةَ بَيْنَهُمَا لَيْسَتْ بِمُفْتَرَضَةِ الْوَصْلِ.
أَمَّا الْآيَةُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} أَيْ: مَا وَرَاءَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبِنْتِهَا وَبَيْنَ خَالَتِهَا مِمَّا قَدْ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي هُوَ وَحْيٌ غَيْرُ مَتْلُوٍّ عَلَى أَنَّ حُرْمَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مَعْلُولَةٌ بِقَطْعِ الرَّحِمِ، وَالْجَمْعُ هاهنا يُفْضِي إلَى قَطْعِ الرَّحِمِ، فَكَانَتْ حُرْمَةً ثَابِتَةً بِدَلَالَةِ النَّصِّ فَلَمْ يَكُنْ مَا وَرَاءَ مَا حُرِّمَ فِي آيَةِ التَّحْرِيمِ، وَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبِنْتِ زَوْجٍ كَانَ لَهَا مِنْ قَبْلُ، أَوْ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَزَوْجَةٍ كَانَتْ لِأَبِيهَا وَهُمَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا رَحِمَ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يُوجَدْ الْجَمْعُ بَيْنَ ذَوَاتَيْ رَحِمٍ.
وَقَالَ زُفَرُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْبِنْتَ لَوْ كَانَتْ رَجُلًا لَكَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهَا مَنْكُوحَةُ أَبِيهِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَإِنَّا نَقُولُ: الشَّرْطُ أَنْ تَكُونَ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَيَّتُهُمَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ قُدِّرَتْ رَجُلًا لَكَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأُخْرَى، وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الشَّرْطُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ مِنْهُمَا لَوْ كَانَتْ رَجُلًا لَكَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْأُخْرَى لَا تَكُونُ بِنْتَ الزَّوْجِ فَلَمْ تَكُنْ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَجَازَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَلَوْ تَزَوَّجَ الْأُخْتَيْنِ مَعًا فَسَدَ نِكَاحُهُمَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَهُمَا حَصَلَ جَمْعًا بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ وَلَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِفَسَادِ النِّكَاحِ بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا، ثُمَّ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَا مَهْرَ لَهُمَا وَلَا عِدَّةَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ لَا حُكْمَ لَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهِمَا فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْعُقْرُ وَعَلَيْهِمَا الْعِدَّةُ؛ لِأَنَّ هَذَا حُكْمُ الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ- إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- فِي مَوْضِعِهِ.
وَإِنْ تَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا بَعْدَ الْأُخْرَى جَازَ نِكَاحُ الْأُولَى، وَفَسَدَ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ وَلَا يَفْسُدُ نِكَاحُ الْأُولَى لِفَسَادِ نِكَاحِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ حَصَلَ بِنِكَاحِ الثَّانِيَةِ فَاقْتَصَرَ الْفَسَادُ عَلَيْهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِيَةِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا مَهْرَ وَلَا عِدَّةَ، وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُولَى مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّةُ الثَّانِيَةِ لِمَا نَذْكُرُ- إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- وَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْتَيْنِ فِي عُقْدَتَيْنِ لَا يَدْرِي أَيَّتُهُمَا أُولَى لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي بَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ نِكَاحَ إحْدَاهُمَا فَاسِدٌ بِيَقِينٍ- وَهِيَ مَجْهُولَةٌ- وَلَا يُتَصَوَّرُ حُصُولُ مَقَاصِدِ النِّكَاحِ مِنْ الْمَجْهُولَةِ فلابد مِنْ التَّفْرِيقِ ثُمَّ إنْ ادَّعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّهَا هِيَ الْأُولَى وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا يُقْضَى لَهَا بِنِصْفِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ الصَّحِيحَ أَحَدُهُمَا، وَقَدْ حَصَلَتْ الْفُرْقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا بِصُنْعِ الْمَرْأَةِ فَكَانَ الْوَاجِبُ نِصْفَ الْمَهْرِ، وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا لِعَدَمِ التَّرْجِيحِ إذْ لَيْسَتْ إحْدَاهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْأُخْرَى.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ شَيْءٌ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ كَامِلًا، وَإِنْ قَالَتَا لَا نَدْرِي أَيَّتُنَا الْأُولَى لَا يُقْضَى لَهُمَا بِشَيْءٍ؛ لِكَوْنِ الْمُدَّعِيَةِ مِنْهُمَا مَجْهُولَةً إلَّا إذَا اصْطَلَحَتْ عَلَى شَيْءٍ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى لَهَا، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ وَعَمَّتُهَا وَخَالَتُهَا فِي جَمِيعِ مَا وَصَفْنَا، وَكَمَا لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فِي نِكَاحِ أُخْتِهَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّةِ أُخْتِهَا، وَكَذَلِكَ التَّزَوُّجُ بِامْرَأَةٍ هِيَ ذَاتُ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَةٍ بِعَقْدٍ مِنْهُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا يَمْنَعُ صُلْبَ النِّكَاحِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ ذَوَاتَيْ الْمَحَارِمِ فَالْعِدَّةُ تَمْنَعُ مِنْهُ.
وَكَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَالْخَامِسَةُ تَعْتَدُّ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ أَوْ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ بِالْمَحْرَمِيَّةِ الطَّارِئَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ، أَوْ بِالدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ بِالْوَطْءِ فِي شُبْهَةٍ، وَهَذَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ:- رَحِمَهُ اللَّهُ- يَجُوزُ إلَّا فِي عِدَّةٍ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِثْلُ قَوْلِنَا نَحْوَ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (وَجْهُ) قَوْلِهِ: إنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي النِّكَاحِ، وَالنِّكَاحُ قَدْ زَالَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِوُجُودِ الْمُزِيلِ لَهُ- وَهُوَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ أَوْ الْبَائِنُ- وَلِهَذَا لَوْ وَطِئَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُرْمَةِ لَزِمَهُ الْحَدُّ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْجَمْعُ فِي النِّكَاحِ فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَلَنَا أَنَّ مِلْكَ الْحَبْسِ بِالْعَقْدِ قَائِمٌ، فَإِنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ، وَحُرْمَةُ التَّزَوُّجِ بِزَوْجٍ آخَرَ ثَابِتَةٌ وَالْفِرَاشُ قَائِمٌ حَتَّى لَوْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ، وَقَدْ كَانَ قَدْ دَخَلَ بِهَا يَثْبُتُ النَّسَبُ، فَلَوْ جَازَ النِّكَاحُ لَكَانَ النِّكَاحُ جَمْعًا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ، فَيَدْخُلُ تَحْتَ النَّصِّ، وَلِأَنَّ هَذِهِ أَحْكَامُ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ وَسِيلَةً إلَى أَحْكَامِ النِّكَاحِ فَكَانَ النِّكَاحُ قَائِمًا مِنْ وَجْهٍ بِبَقَاءِ بَعْضِ أَحْكَامِهِ، وَالثَّابِتُ مِنْ وَجْهٍ مُلْحَقٌ بِالثَّابِتِ مِنْ وَجْهٍ فِي بَابِ الْحُرْمَةِ احْتِيَاطًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ أُلْحِقَتْ الْأُمُّ وَالْبِنْتُ مِنْ وَجْهٍ بِالرَّضَاعَةِ بِالْأُمِّ وَالْبِنْتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالْقَرَابَةِ، وَأُلْحِقَتْ الْمَنْكُوحَةُ مِنْ وَجْهٍ- وَهِيَ الْمُعْتَدَّةُ- بِالْمَنْكُوحَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي حُرْمَةِ النِّكَاحِ كَذَا هَذَا؛ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ قَبْلَ الطَّلَاقِ إنَّمَا حُرِّمَ؛ لِكَوْنِهِ مُفْضِيًا إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، لِأَنَّهُ يُوَرِّثُ الضَّغِينَةَ، وَإِنَّهَا تُفْضِي إلَى الْقَطِيعَةِ، وَالضَّغِينَةُ هاهنا أَشَدُّ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ النِّعْمَةِ- وَهُوَ مِلْكُ الْحِلِّ- الَّذِي هُوَ سَبَبُ اقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ قَدْ زَالَ فِي حَقِّ الْمُعْتَدَّةِ، وَبِنِكَاحِ الثَّانِيَةِ يَصِيرُ جَمِيعُ ذَلِكَ لَهَا وَتَقُومُ مَقَامَهَا وَتَبْقَى هِيَ مَحْرُومَةُ الْحَظِّ لِلْحَالِّ مِنْ الْأَزْوَاجِ فَكَانَتْ الضَّغِينَةُ أَشَدَّ فَكَانَتْ أَدْعَى إلَى الْقَطِيعَةِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ عَلَائِقِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَكَانَ لَهَا سَبِيلُ الْوُصُولِ إلَى زَوْجٍ آخَرَ فَتَسْتَوْفِي حَظَّهَا مِنْ الثَّانِي فَتُسَلَّى بِهِ فَلَا تَلْحَقُهَا الضَّغِينَةُ، أَوْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْهُ فِي حَالِ قِيَامِ الْعِدَّةِ فَلَا يَسْتَقِيمُ الِاسْتِدْلَال.
وَلَوْ خَلَا بِامْرَأَتِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَتَزَوَّجْ أُخْتَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا؛ لِأَنَّهُ وَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِالْخَلْوَةِ فَيُمْنَعُ نِكَاحُ الْأُخْتِ كَمَا لَوْ وَجَبَتْ بِالدُّخُولِ حَقِيقَةً.

.(فَصْلٌ): الْجَمْعُ فِي الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ:

وَأَمَّا الْجَمْعُ فِي الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ مِثْلِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: (كُلُّ شَيْءٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْحَرَائِرِ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْإِمَاءِ إلَّا الْجَمْعَ) أَيْ: الْجَمْعَ فِي الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ.
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: (مَا أُحِبُّ أَنْ أُحِلَّهُ وَلَكِنْ أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ، وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ، وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَفْعَلُهُ) فَخَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَ عَلِيًّا فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ أَنَّ لِي مِنْ الْأَمْرِ شَيْئًا لَجَعَلْت مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ نَكَالًا.
وَقَوْلُ عُثْمَانَ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ) عَنَى بِآيَةِ التَّحْلِيلِ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} وَبِآيَةِ التَّحْرِيمِ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} وَذَلِكَ مِنْهُ إشَارَةٌ إلَى تَعَارُضِ دَلِيلَيْ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ مَعَ التَّعَارُضِ، وَلِعَامَّةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْكِتَابُ الْعَزِيزُ وَالسُّنَّةُ، أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ جَمْعٌ فَيَكُونُ حَرَامًا.
وَأَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْمَعَنَّ مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ».
وَأَمَّا قَوْلُ عُثْمَانَ: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ) فَالْأَخْذُ بِالْمُحَرَّمِ أَوْلَى عِنْدَ التَّعَارُضِ احْتِيَاطًا لِلْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْمَأْثَمُ بِارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ، وَلَا مَأْثَمَ فِي تَرْكِ الْمُبَاحِ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَبْضَاعِ هُوَ الْحُرْمَةُ وَالْإِبَاحَةُ بِدَلِيلٍ، فَإِذَا تَعَارَضَ دَلِيلُ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ تَدَافَعَا فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِالْأَصْلِ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ لَا يَجُوزُ فِي الدَّوَاعِي مِنْ اللَّمْسِ وَالتَّقْبِيلِ وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ عَنْ شَهْوَةٍ؛ لِأَنَّ الدَّوَاعِيَ إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ إذَا عُرِفَ هَذَا، فَنَقُولُ: إذَا مَلَكَ أُخْتَيْنِ فَلَهُ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ لَا تَصِيرُ فِرَاشًا بِالْمِلْكِ، وَإِذَا وَطِئَ إحْدَاهُمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ لَصَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ حَقِيقَةً.
وَكَذَا إذَا مَلَكَ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا ثُمَّ مَلَكَ أُخْتَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُولَى لِمَا قُلْنَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَمْ يُحَرِّمْ فَرْجَ الْأُولَى عَلَى نَفْسِهِ إمَّا بِالتَّزْوِيجِ أَوْ بِالْإِخْرَاجِ عَنْ مِلْكِهِ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ بِالْبَيْعِ أَوْ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالصَّدَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الْأُخْرَى لَصَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ حَقِيقَةً، وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَلَوْ كَاتَبَهَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ بِالْكِتَابَةِ لَمْ يَمْلِكْ وَطْأَهَا غَيْرُهُ.
وَقَالَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا: إنَّهُ لَوْ مَلَكَ فَرْجَ الْأُولَى غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْأُخْرَى حَتَّى تَحِيضَ الْأُولَى حَيْضَةً بَعْدَ وَطْئِهَا لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ حَامِلًا فَيَكُونُ جَامِعًا مَاءَهُ فِي رَحِمِ أُخْتَيْنِ فَيَسْتَبْرِئُهَا بِحَيْضَةٍ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ (وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ حَرَّمَ فَرْجَهَا عَلَى الْمَوْلَى بِالْكِتَابَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَطِئَهَا لَزِمَهُ الْعُقْرُ وَلَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ كَانَ الْمَهْرُ لَهَا لَا لِلْمَوْلَى، فَلَا يَصِيرُ بِوَطْءِ الْأُخْرَى جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ.
وَلَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةً وَلَمْ يَطَأْهَا حَتَّى مَلَكَ أُخْتَهَا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْمُشْتَرَاةَ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ يَثْبُتُ بِنَفْسِ النِّكَاحِ، وَلِأَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ يُقْصَدُ بِهِ الْوَطْءُ وَالْوَلَدُ فَصَارَتْ الْمَنْكُوحَةُ مَوْطُوءَةً حُكْمًا، فَلَوْ وَطِئَ الْمُشْتَرَاةَ لَصَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ.
وَلَوْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ جَارِيَةٌ قَدْ وَطِئَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَتَزَوَّجَ أُخْتَ أُمِّ وَلَدِهِ جَازَ النِّكَاحُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَلَكِنْ لَا يَطَأُ الزَّوْجَةَ مَا لَمْ يُحَرِّمْ فَرْجَ الْأَمَةِ الَّتِي فِي مِلْكِهِ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ (وَجْهُ) قَوْلِهِ: إنَّ النِّكَاحَ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ بِهِ النَّسَبُ كَالْوَطْءِ، وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَطَأَ الْمَمْلُوكَةَ هاهنا بَعْدَ نِكَاحِ أُخْتِهَا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ لَجَازَ، وَإِذَا كَانَ النِّكَاحُ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ يَصِيرُ بِالنِّكَاحِ جَامِعًا لَمَا بَيَّنَّا فِي الْوَطْءِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَلَنَا أَنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بِوَطْءٍ حَقِيقَةً وَلَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يُلَاقِي الْأَجْنَبِيَّةَ، وَلَا يَجُوزُ وَطْءُ الْأَجْنَبِيَّةِ فَلَا يَكُونُ نِكَاحُهَا جَامِعًا بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ إلَّا أَنَّ النِّكَاحَ إذَا انْعَقَدَ يَجْعَلُ الْوَطْءَ مَوْجُودًا حُكْمًا بَعْدَ الِانْعِقَادِ لِمَا أَنَّ الْحُكْمَ الْمُخْتَصَّ بِالنِّكَاحِ هُوَ الْوَطْءُ، وَثَمَرَتُهُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْهُ الْوَلَدُ، وَلَا حُصُولَ لَهُ عَادَةً بِدُونِ الْوَطْءِ فَجَعَلَهُ الشَّارِعُ حُكْمًا وَاطِئًا بَعْدَ انْعِقَادِ النِّكَاحِ وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْفِرَاشِ فَلَوْ وَطِئَ الْمَمْلُوكَةَ لَصَارَ جَامِعًا بَيْنَهُمَا وَطْئًا؛ وَلِأَنَّ الْأَمَةَ لَا تَصِيرُ فِرَاشًا بِنَفْسِ الْوَطْءِ عِنْدَنَا حَتَّى لَا يَثْبُتَ النَّسَبُ بِدُونِ الدَّعْوَةِ، فَلَا يَكُونُ نِكَاحُ أُخْتِهَا جَمْعًا بَيْنَهُمَا فِي الْفِرَاشِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ فِرَاشُهَا ضَعِيفٌ حَتَّى يَنْتَفِيَ نَسَبُ وَلَدِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ، وَهُوَ مُجَرَّدُ النَّفْيِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ.
وَكَذَا يُحْتَمَلُ النَّقْلُ إلَى غَيْرِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ النِّكَاحُ جَمْعًا بَيْنَهُمَا فِي الْفِرَاشِ مُطْلَقًا فَلَا يُمْنَعُ نَسَبُ وَلَدِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَهُوَ مُجَرَّدُ النَّفْيِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ، وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَ أُمِّ وَلَدِهِ الَّتِي تَعْتَدُّ مِنْهُ بِأَنَّهُ أَعْتَقَهَا وَوَجَبَتْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ- رَحِمَهُ اللَّهُ- وَيَجُوزُ أَنْ تَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا فِي عِدَّتِهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجُوزُ كِلَاهُمَا وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ كِلَاهُمَا (وَجْهُ) قَوْلِهِ: إنَّ هَذِهِ مُعْتَدَّةٌ، فَلَا يَجُوزُ التَّزَوُّجُ بِأُخْتِهَا وَأَرْبَعٍ سِوَاهَا كَالْحُرَّةِ الْمُعْتَدَّةِ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: إنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْحُرَّةِ لِمَكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ وَلَمْ يُوجَدْ فِي أُمِّ الْوَلَدِ لِانْعِدَامِ النِّكَاحِ أَصْلًا؛ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ أَثَرُ فِرَاشِ الْمِلْكِ، وَحَقِيقَةُ الْفِرَاشِ فِيهَا لَا يَمْنَعُ النِّكَاحَ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَ أُمِّ وَلَدِهِ وَأَرْبَعَ نِسْوَةٍ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهَا جَازَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِرَاشُ الْمِلْكِ حَقِيقَةً مَانِعًا فَأَثَرُهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنَّمَا جَازَ نِكَاحُ أُخْتِ أُمِّ الْوَلَدِ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ؛ لِضَعْفِ فِرَاشِهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا فَإِذَا أَعْتَقَهَا قَوِيَ فِرَاشُهَا، فَكَانَ نِكَاحُ أُخْتِهَا جَمْعًا بَيْنَهُمَا فِي الْفِرَاشِ وَهُوَ اسْتِلْحَاقُ نَسَبِ وَلَدَيْهَا، وَلَا يَجُوزُ اسْتِلْحَاقُ نَسَبِ وَلَدِ أُخْتَيْنِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ، وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ أُخْتَ أُمِّ وَلَدِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ الْمَنْكُوحَةِ حَتَّى يُزِيلَ فِرَاشَ أُمِّ الْوَلَدِ وَنِكَاحَ الْأَرْبَعِ وَإِنْ كَانَ جَمْعًا بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَهَا فِي الْفِرَاشِ، لَكِنْ الْجَمْعَ هاهنا فِي الْفِرَاشِ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَازَ قَبْلَ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ أَرْبَعًا قَبْلَ الْإِعْتَاقِ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهُنَّ وَوَطْءُ أُمِّ الْوَلَدِ، فَكَذَا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ.

.(فَصْلٌ): الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّاتِ:

وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَجْنَبِيَّاتِ فَنَوْعَانِ أَيْضًا: جَمْعٌ فِي النِّكَاحِ وَجَمْعٌ فِي الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، أَمَّا.
الْجَمْعُ فِي النِّكَاحِ فَنَقُولُ: لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ مِنْ الْحَرَائِرِ وَالْإِمَاءِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ التِّسْعِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُبَاحُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَاحْتَجُّوا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}.
فَالْأَوَّلُونَ قَالُوا: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ هَذِهِ الْأَعْدَادَ بِحَرْفِ الْوَاوِ، وَأَنَّهُ لِلْجَمْعِ، وَجُمْلَتُهَا تِسْعَةٌ، فَيَقْتَضِي إبَاحَةَ نِكَاحِ تِسْعٍ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَزَوَّجَ تِسْعَ نِسْوَةٍ وَهُوَ قُدْوَةُ الْأُمَّةِ، وَالْآخَرُونَ قَالُوا: الْمَثْنَى ضِعْفُ الِاثْنَيْنِ، وَالثُّلَاثُ ضِعْفُ الثَّلَاثَةِ، وَالرُّبَاعُ ضِعْفُ الْأَرْبَعَةِ فَجُمْلَتُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ.
وَلَنَا مَا رُوِيَ: «أَنَّ رَجُلًا أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَأَسْلَمْنَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعَةً وَفَارِقْ الْبَوَاقِيَ» أَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُفَارَقَةِ الْبَوَاقِي وَلَوْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى الْأَرْبَعِ حَلَالًا لَمَا أَمَرَهُ فَدَلَّ أَنَّهُ مُنْتَهَى الْعَدَدِ الْمَشْرُوعِ- وَهُوَ الْأَرْبَعُ- وَلِأَنَّ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ خَوْفَ الْجَوْرِ عَلَيْهِنَّ بِالْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِنَّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِحُقُوقِهِنَّ وَإِلَيْهِ وَقَعَتْ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} أَيْ: أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِي الْقَسْمِ وَالْجِمَاعِ وَالنَّفَقَةِ فِي نِكَاحِ الْمَثْنَى وَالثُّلَاثِ وَالرُّبَاعِ فَوَاحِدَةً بِخِلَافِ نِكَاحِ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ خَوْفَ الْجَوْرِ مِنْهُ غَيْرُ مَوْهُومٍ؛ لِكَوْنِهِ مُؤَيَّدًا عَلَى الْقِيَامِ بِحُقُوقِهِنَّ بِالتَّأْبِيدِ الْإِلَهِيِّ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ آثَرَ الْفَقْرَ عَلَى الْغِنَى وَالضِّيقَ عَلَى السَّعَةِ وَتَحَمُّلَ الشَّدَائِدِ وَالْمَشَاقِّ عَلَى الْهُوَيْنَا مِنْ الْعِبَادَاتِ وَالْأُمُورِ الثَّقِيلَةِ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَسْبَابُ قَطْعِ الشَّهَوَاتِ وَالْحَاجَةِ إلَى النِّسَاءِ، وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ يَقُومُ بِحُقُوقِهِنَّ دَلَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا الْآيَةُ فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِظَاهِرِهَا؛ لِأَنَّ الْمَثْنَى لَيْسَ عِبَارَةً عَنْ الِاثْنَيْنِ وَلَا الثُّلَاثَ عَنْ الثُّلَاثِ وَالرُّبَاعَ عَنْ الْأَرْبَعِ، بَلْ أَدْنَى مَا يُرَادُ بِالْمَثْنَى مَرَّتَانِ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ، وَأَدْنَى مَا يُرَادُ بِالثُّلَاثِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ مِنْ الْعَدَدِ.
وَكَذَا الرُّبَاعُ، وَذَلِكَ يَزِيدُ عَلَى التِّسْعَةِ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَلَا قَائِلَ بِهِ دَلَّ أَنَّ الْعَمَلَ بِظَاهِرِ الْآيَةِ مُتَعَذِّرٌ فلابد لَهَا مِنْ تَأْوِيلٍ، وَلَهَا تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ نِكَاحِ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثِ وَالْأَرْبَعِ كَأَنَّهُ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: مَثْنَى أَوْ ثُلَاثَ أَوْ رُبَاعَ وَاسْتِعْمَالُ الْوَاوِ مَكَانَ أَوْ جَائِزٌ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَعْدَادِ عَلَى التَّدَاخُلِ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ: وَثُلَاثَ تَدْخُلُ فِيهِ الْمَثْنَى، وَقَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَرُبَاعَ يَدْخُلُ فِيهِ الثُّلَاثُ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِاَلَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ} وَالْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ دَاخِلَانِ فِي الْأَرْبَعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَكَانَ خَلْقُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ فِي يَوْمَيْنِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ} فَيَكُونُ خَلْقُ الْجَمِيعِ فِي ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ فَيُؤَدِّي إلَى الْخُلْفِ فِي خَبَرِ مَنْ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْخُلْفُ، فَكَانَ عَلَى التَّدَاخُلِ، فَكَذَا هاهنا جَازَ أَنْ يَكُونَ الْعَدَدُ الْأَوَّلُ دَاخِلًا فِي الثَّانِي وَالثَّانِي فِي الثَّالِثِ، فَكَانَ فِي الْآيَةِ إبَاحَةُ نِكَاحِ الْأَرْبَعِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ وَذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى فِيمَا تَقَدَّمَ.

.(فَصْلٌ): الْجَمْعُ فِي الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ:

وَأَمَّا الْجَمْعُ فِي الْوَطْءِ وَدَوَاعِيهِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَجَائِزٌ، وَإِنْ كَثُرَتْ الْجَوَارِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أَيْ: إنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِي نِكَاحِ الْمَثْنَى وَالثُّلَاثِ وَالرُّبَاعِ بِإِيفَاءِ حُقُوقِهِنَّ فَانْكِحُوا وَاحِدَةً، وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِي وَاحِدَةٍ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كَأَنَّهُ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: هَذَا أَوْ هَذَا، أَيْ: الزِّيَادَةُ عَلَى الْوَاحِدَةِ إلَى الْأَرْبَعِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُعَادَلَةِ وَعِنْدَ خَوْفِ الْجَوْرِ فِي ذَلِكَ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْحَرَائِرِ وَعِنْدَ خَوْفِ الْجَوْرِ فِي نِكَاحِ الْوَاحِدَةِ هُوَ شِرَاءُ الْجَوَارِي وَالتَّسَرِّي بِهِنَّ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} ذَكَرَهُ مُطْلَقًا عَنْ شَرْطِ الْعَدَدِ وَقَالَ تَعَالَى: {إلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْعَدَدِ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} مُطْلَقًا، وَلِأَنَّ حُرْمَةَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَرْبَعِ فِي الزَّوْجَاتِ لِخَوْفِ الْجَوْرِ عَلَيْهِنَّ فِي الْقَسْمِ وَالْجِمَاعِ، وَلَمْ يُوجَدْ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْإِمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُنَّ قِبَلَ الْمَوْلَى فِي الْقَسْمِ وَالْجِمَاعِ.